كيفية استخلاص زيت الشيح

مقدمة

زيت الشيح يُعد من الزيوت العطرية ذات القيمة العالية في المجال الطبي والصناعي، وهو مشتق من نبات الشيح (Artemisia absinthium)، الذي ينتمي إلى فصيلة النجميات (Asteraceae). يُعرف الشيح بخصائصه العلاجية المتعددة واستخداماته العطرية والغذائية، حيث يحتوي على مركبات كيميائية فريدة تمنحه فعالية كبيرة في علاج بعض الأمراض ومقاومة الحشرات. استخراج زيت الشيح بطريقة صحيحة يحفظ هذه المركبات ويُبرز فوائد الزيت، لذلك فإن عملية استخلاص الزيت من الشيح تمثل خطوة أساسية في ضمان جودة المنتج النهائي.

يتناول هذا المقال شرحًا تفصيليًا وموسعًا حول كيفية استخلاص زيت الشيح، مع التركيز على الطرق التقليدية والحديثة، والاعتبارات الفنية التي تؤثر على جودة الزيت وكمية الإنتاج، إضافة إلى أهمية التحكم في عوامل الاستخلاص للحفاظ على المركبات الفعالة.

نبات الشيح وخصائصه الكيميائية

قبل الدخول في طرق استخلاص زيت الشيح، من المهم التعرف على النبات ومكوناته. نبات الشيح عبارة عن نبات عشبي معمر، يحتوي على مركبات مثل السينول، الأرتيميسينين، السينول، التانينات، الزيوت الطيارة، والفلافونويدات. يُزرع الشيح في مناطق متعددة مثل أوروبا، آسيا، وشمال أفريقيا، وينمو في ظروف مناخية معتدلة وجافة نسبيًا.

الزيت المستخلص من أوراق وأزهار الشيح يحتوي على نسبة عالية من الزيوت الطيارة التي تشمل مركبات مثل الثوجون، السينول، والكافور، وهي التي تمنحه رائحة مميزة وقوة علاجية كبيرة. التركيز على استخراج هذه المركبات دون تلفها يتطلب ضبط دقيق لعملية الاستخلاص.

طرق استخلاص زيت الشيح

تتنوع طرق استخلاص زيت الشيح بين الطرق التقليدية والحديثة، وكل طريقة تعتمد على مبدأ فيزيائي أو كيميائي لفصل الزيت الطيار عن المادة النباتية.

1. التقطير بالبخار (Steam Distillation)

التقطير بالبخار هو الطريقة الأكثر شيوعًا في استخلاص زيت الشيح، ويتميز بأنه يحافظ على جودة الزيوت العطرية ويمنع تدهورها بسبب الحرارة العالية المباشرة. تتم هذه العملية عبر عدة مراحل:

• تحضير المادة النباتية: تُجمع أوراق وأزهار الشيح وتُجفف جزئيًا لتقليل الرطوبة الزائدة.

• وضع النبات في جهاز التقطير: توضع المادة النباتية في غرفة التقطير، ويتم تمرير البخار الساخن عليها.

• تبخير الزيوت الطيارة: يقوم البخار بسحب الزيوت الطيارة من خلايا النبات، ثم يحملها مع بخار الماء إلى مكثف.

• تكثيف البخار والزيت: في المكثف، يتحول البخار إلى ماء سائل مع الزيت الطيار.

• فصل الزيت عن الماء: يستخدم القارورة الفاصلة لفصل الزيت الطيار عن الماء (الماء المقطر).

هذه الطريقة تنتج زيتًا ذا جودة عالية، وتتم بشكل آمن للحفاظ على المركبات الكيميائية الحساسة.

2. الاستخلاص بالمذيبات (Solvent Extraction)

في هذه الطريقة يتم استخدام مذيبات عضوية مثل الإيثانول أو الهكسان لاستخلاص الزيوت الطيارة من نبات الشيح. تتم العملية عبر:

• نقع المادة النباتية في المذيب: حيث تُوضع أجزاء النبات في المذيب لفترة زمنية محددة.

• تحريك الخليط: لضمان تمتص المذيبات للمركبات الطيارة والزيوت.

• تبخير المذيب: بعد انتهاء فترة النقع، يتم تبخير المذيب عند درجة حرارة منخفضة للحصول على الزيت النقي.

هذه الطريقة تعطي كميات أكبر من الزيت لكنها قد تؤثر على نقاوة الزيت بسبب بقايا المذيب، ولذلك تستخدم بشكل محدود في الصناعات التي لا تتطلب نقاوة عالية.

3. العصر البارد (Cold Pressing)

العصر البارد يُستخدم بشكل رئيسي في استخلاص الزيوت من البذور، لكنه نادرًا ما يستخدم مع أوراق الشيح بسبب قلة الزيت فيها. تعتمد هذه الطريقة على الضغط الميكانيكي دون تسخين، مما يحافظ على المركبات الكيميائية الحساسة.

4. الاستخلاص فوق الحرج (Supercritical CO2 Extraction)

طريقة حديثة وفعالة تعتمد على استخدام ثاني أكسيد الكربون في حالة فوق حرجة لاستخلاص الزيت. يتم:

• ضغط ثاني أكسيد الكربون: إلى حالة فوق حرجة حيث يجمع بين خصائص الغاز والسائل.

• تمرير CO2 فوق الحرج عبر المادة النباتية: ليذيب الزيوت الطيارة والمركبات الكيميائية.

• فصل الزيت: بفصل ثاني أكسيد الكربون عند تخفيف الضغط، مما يؤدي إلى الحصول على زيت نقي بدون بقايا مذيبات.

هذه الطريقة تعطي زيتًا عالي الجودة مع المحافظة على جميع المركبات، لكنها تتطلب تجهيزات مكلفة ومعقدة.

العوامل المؤثرة على جودة وكمية زيت الشيح

1. نوع النبات وموطنه

تؤثر البيئة التي ينمو فيها نبات الشيح على كمية وتركيز الزيوت الطيارة، فالظروف المناخية، نوع التربة، ووقت الحصاد كلها عوامل حاسمة.

2. حالة النبات عند الاستخلاص

يُفضل استخدام النبات في مرحلة الإزهار، حيث تكون نسبة الزيت الطيار في أوجه. كما يجب ألا يكون النبات رطبًا جدًا أو جافًا بشكل مبالغ فيه.

3. درجة حرارة التقطير

درجة حرارة التقطير بالبخار يجب التحكم بها بدقة، حيث أن ارتفاع الحرارة قد يؤدي إلى تلف المركبات الطيارة، وانخفاضها قد يؤدي إلى استخلاص غير كامل.

4. مدة الاستخلاص

مدة التقطير تؤثر بشكل مباشر على كمية الزيت وجودته، فالاستخلاص الطويل يؤدي إلى زيادة الإنتاج لكنه قد يضر بجودة الزيت، والعكس صحيح.

خطوات عملية استخلاص زيت الشيح بالتقطير بالبخار تفصيليًا

1. جمع النبات: يتم قطف نبات الشيح في الفترة التي تحتوي فيها أوراقه وأزهاره على أعلى تركيز من الزيت، عادة في الصباح الباكر.

2. التجفيف: يترك النبات ليجف في الظل لمدة قصيرة حتى يصل إلى نسبة رطوبة مناسبة (15-20%)، لتسهيل عملية الاستخلاص.

3. تجهيز جهاز التقطير: يشمل غلاية لتوليد البخار، غرفة للتقطير تحتوي النبات، مكثف لفصل الزيت، وقارورة لفصل الزيت عن الماء.

4. توليد البخار: يغلى الماء في الغلاية وينتج بخارًا ساخنًا.

5. مرور البخار عبر النبات: يدخل البخار إلى غرفة التقطير حيث يمر عبر النبات، ويسحب الزيوت الطيارة.

6. تكثيف البخار والزيوت: يمر البخار الحامل للزيوت في مكثف بارد ليعود إلى الحالة السائلة.

7. جمع الزيت وفصله: يُجمع السائل الناتج في قارورة فصل، حيث ينفصل الزيت عن الماء ويُجمع بشكل منفصل.

استخدامات زيت الشيح

زيت الشيح المستخلص له استخدامات متعددة تشمل:

• الطب التقليدي: يستخدم لعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي، تحسين الهضم، وتخفيف التشنجات.

• الطب التجميلي: يدخل في صناعة مستحضرات التجميل والعطور.

• مبيد طبيعي للحشرات: يستخدم زيت الشيح كطارد طبيعي للحشرات في الزراعة.

جدول يوضح مقارنة بين طرق استخلاص زيت الشيح

خلاصة

عملية استخلاص زيت الشيح تتطلب معرفة دقيقة بمكونات النبات وطرق الاستخلاص المناسبة. التقطير بالبخار يبقى الطريقة المثلى لانتاج زيت عالي الجودة يحتوي على المركبات الفعالة بأقل خسارة ممكنة، في حين أن التقنيات الحديثة مثل الاستخلاص فوق الحرج توفر جودة فائقة لكنها مكلفة. العوامل البيئية، جودة المادة النباتية، ودرجة التحكم في عملية الاستخلاص كلها تؤثر على إنتاج زيت الشيح النقي وفاعليته في التطبيقات الطبية والصناعية.

المصادر والمراجع

1. The Essential Oil Chemistry of Artemisia absinthium – Journal of Essential Oil Research, 2018.

2. Extraction techniques of essential oils and their impact on quality and quantity – International Journal of Food Science & Technology, 2020.